النمو الإيماني والعلاقة مع الله عز وجل

 

لكل واحد منَّا علاقات مع الآخرين .. هذه العلاقات تتفاوت ما بين القوَّة والضعف ، فهناك من يحتل المرتبة الأولى ، وهناك من يحتل المرتبة العاشرة ، وهناك من يحتل المرتبة الخمسين ، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المراتب لا يتم ترتيبها بقرارات من الشخص ، بل هي نتيجة ممارسات ، ورصيد ، وثقة ، ومشاعر .

ولكل مرتبة مظاهر تميزها عن غيرها ، فصاحب المرتبة الأولى له مكانة خاصة عند المرء تجعله يُسِرُّ له بأسراره  ، ويستشيره في خصوصياته ... يفرح بقربه ، ويشتاق إلى رؤيته ، ويَتَحيَّن أي فرصة للقائه ، ويسعد بصحبته ، ولا يمل من هذه الصحبة مهما طالت المدة .

أما صاحب المرتبة الخامسة – مثلًا – فالأمر يختلف .. نعم ،  هو يفرح برؤيته ويسعد بصحبته ، ولكن ليس كالأول .

أما صاحب المرتبة العاشرة فالعلاقة أقل بكثير ممن سبقه .

فإذا ما سأل الواحد منَّا نفسه عن علاقته بربِّه ، وأي مرتبة تحتل ؟

فإننا سنُفاجأ بأنها ليست في المراتب الأولى ، وذلك من خلال رصد مظاهر هذه العلاقة .. فلا شوق إلى لقائه ، ولا أُنس بمناجاته ، ولا سعادة في قربه ، ولا فرح بالخلوة به ، ولا تنعُّم بذكره ، وكل هذا بسبب ضعف الإيمان ، وضعف الثقة به سبحانه .

 فإذا ما حدثت اليقظة الإيمانية الحقيقية ، ونما الإيمان في القلب ، فإن هذه العلاقة تتحسن تدريجيًّا ، وتنتقل من مرتبة إلى  مرتبة أعلى منها ، وتستمر في الصعود كلما زاد الإيمان حتى تحتل المرتبة الأولى ، حيث تزداد الرغبة في الله ، والرضا به ، والسعادة في ذكره ، والبهجة في تلاوة كلامه ، والأنس في الخلوة به ومناجاته .

* يزداد الحضور القلبي الدائم معه ليُثمر سؤاله وطلب مساعدته في أموره كلها ، وإشهاده على ما يحدث له من تكذيب المكذبين ، أو إعراض المُعرضين .

* ينتظر الفرصة التي يخلو فيها المكان ، وتهدأ الأصوات ليخلو بربه ، ويبُثُّ إليه أشواقه ، ويعرض عليه شكايته ، ويطلب منه حاجته ..

* يُسارع في استرضائه إذا ما وقع منه تقصير أو تجاوُز ..

* يزداد بذله للجهد في خدمة دينه ، ودعوة خلقه إليه ..

* يشعر بالغنى به ، ويعيش قلبه في حالة من الامتنان نحوه سبحانه .

*  يزداد ويزداد تعلقه به ، واستغنائه عن غيره .

هذا هو معنى الوصول إلى الله في الدنيا ، فكما يقول ابن رجب : الوصول إلى الله نوعان : أحدهما في الدنيا ، والثاني في الآخرة .

فأما الوصول الدنيوي فالمراد به : أن القلوب تصل إلى معرفته ، فإذا عرِفته أحبَّته وأنِست به ، فوجدته منها قريبًا ، ولدعائها مجيبًا ، كما في بعض الآثار : ابن آدم ، اطلبني تجدني ، فإن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فُتُّك فاتك كل شيء .

وأما الوصول الأخروي : فدخول الجنة التي هي دار كرامة الله لأوليائه ، ولكنهم في درجاتها متفاوتون في القرب بحسب تفاوت قلوبهم في القرب : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) [الواقعة : 10 ، 11] (1) .


(1)  المحجة في سير الدلجة للحافظ ابن رجب .

 



بحث عن بحث