مراحل النمو الإيماني

 

 

في هذا الفصل نتحدث عن مراحل النمو الإيماني، وبعض المظاهر العملية لهذه المراحل ، والهدف هو أن نشعر كمسلمين بأن هناك مشكلة في إيماننا تحتاج إلى علاج وإصلاح ، وهذا الشعور له تأثير إيجابي في استقبال ما سيأتي بيانه من توجيهات وأعمال من شأنها أن تنهض بنا وتصلح من إيماننا بإذن الله تعالى. 

الإيمان نور القلب :

كما أن للعين نور تُبصر به وترى ما حولها ؛ فإذا ما غاب عنها عميت ، كذلك فإن للقلب نور يُبصر به ، ويرى حقائق الأمور فإذا ما غاب عنه ذلك النور عمِي وتاه وتخبط ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ) [الإسراء : 72] .

ونور القلب هو أهم مظهر لحياته ، فبدونه يصير القلب مُظلما ، قاسيًا ضيقًا موحشًا .

فإذا ما دخله بصيص من نور الإيمان تغيرت طبيعته ، وتحسنت حالته ، وظهرت بعض الآثار الإيجابية على صاحبه .

وعندما يستمر النور في الدخول ، والإيمان في الزيادة والنمو ؛ يتنوَّر القلب أكثر وأكثر ، وتتحسن صحته ، وينعكس ذلك بالإيجاب على اهتمامات وسلوك صاحبه .

أما إذا ما دخل نور الإيمان القلب - بإذن الله – ثم لم يعمل صاحبه باستمرار على زيادته ؛ فسينقص حجمه ، وقد يضمحل ، وينزوي في القلب ، ومن ثَمَّ تزحف الظلمة إليه مرة ثانية لتكون النتيجة : اختفاء الكثير من الآثار الإيجابية والثمار الطيبة للإيمان ( فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ )(1) [الحديد : 16] .

ويكفيك لتأكيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الإيمان يَخْلَق في القلوب كما يخلق الثوب فجددوا إيمانكم ) (2) .

يقظة القلب هي البداية :

كما أن للبدن مراحل نمو ، كل مرحلة لها سماتها ومظاهرها ، كذلك الإيمان في القلب .

والمرحلة الأولى للنمو الإيماني هي مرحلة « بداية اليقظة » .. يقظة القلب بنور الإيمان ، حيث يمُنُّ الله عز وجل على العبد بإدخال نور الإيمان إلى قلبه ، لتبدأ الحياة تدب في جنباته ، وتبدأ معها مرحلة جديدة في مسيرة صاحبه ... وكيف لا ، والقلب – قبل يقظته – مظلم قد سيطر عليه الهوى وتحكم في مشاعره .. يفرح بما تفرح به نفسه وهواها ، ويغضب لها ، ويحزن على ما يفوتها أو يُضايقها ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) [الأنعام : 122] .

تبدأ هذه اليقظة – في الغالب – ببصيص من النور يجعل القلب يفيق قليلًا من غفلته ويستيقظ من سُباته ، ليبدأ معها العقل في التفكير في حقيقة الحياة والموت ، ويزداد شغفه للتعرف على تفاصيل ما يحدث بعد الموت ، ومن المتوقع في هذه المرحلة ، سيطرة الشعور بالندم على القلب كلما استرجع ذكريات الماضي ، والأخطاء التي وقع فيها في حق الله ، وفي حق الآخرين ، فيدفعه هذا الشعور إلى الحياء من الله عز وجل والرجاء في عفوه ومغفرته وتوبته ، ويدفعه كذلك إلى العمل على رد الحقوق التي استلبها من الآخرين .

وفي هذه المرحلة الأولى من مراحل النمو الإيماني من المتوقع أن يَصغُر حجم الدنيا – ولو قليلا- في عين العبد ، وينعكس ذلك على تعامله مع مفرداتها ، فبعد أن كان يُسابق ويُنافس عليها ، ويُفكِّر فيها ليل نهار ، ولا يُبالي - في سبيل  نيلها – بغيره ، وبالضرر الذي قد يُسببه للآخرين ...  تجد حرصه عليها يتناقص ، ليثمر ذلك تحسنا ملحوظا في المعاملات والعمل على ضبطها بضوابط الشرع ، وإن بقي الكثير من حب الدنيا في القلب .

ومن أهم المظاهر العملية لهذه المرحلة : الاتجاه الإيجابي نحو أداء العبادات وفضائل الأعمال ، فتجد العبد حريصًا على أداء الصلوات المكتوبة في أول وقتها ، وإلحاقها بسننها الراتبة ، وكذلك صيام رمضان وقيامه ، والإكثار من صيام التطوع ، وتتملكه الرغبة في تعلم أحكام تلاوة القرآن ، وحفظ بعض سوره وأجزائه ، ويزداد حرصه على سماع دروس العلم ، والالتزام بما يمكن الالتزام به مما يُرضي الله عز وجل من عبادات الجوارح ...  


(1) سورة الحديد / 16 .

(2) أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر ، والحاكم في المستدرك عن ابن عمرو بن العاص ، وقال رواته ثقات وأقره الذهبي ، وقال الهيثمي في المجمع : وإسناده حسن ،

وقال العراقي في أماليه : حديث حسن من طريقيه . انظر فيض القدير ، حديث رقم 1957 .

 



بحث عن بحث