العلاقة مع السنة النبوية:

العلاقة بينهما علاقة تكاملية يكمل بعضهما بعضًا، ولا يمكن فهم أحدهما إلا بالآخر، ومما درج هنا أن يقال: السنة المصدر الثاني من مصادر التشريع، ولكن عند التحقيق يتبين أن هذه المقولة مجانبة للصواب، والحق: أن السنة مصدر أساس من مصادر التشريع فهي والقرآن الكريم صنوان يكمل بعضهما بعضًا ولا يستغني بمصدر عن الآخر في تكامل التشريع.

ولا يمكن فهم أحدهما إلا بالآخر، وقد أوضح العلماء ـ رحمهم الله ـ بيان هذه العلاقة في أمور، منها:

1 ـ أن السنة جاء الأمر بها صريحًا في الطاعة والاتباع كما في القرآن الكريم بل قرنت بطاعة الله تعالى، ومن ذلك قوله: âأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْá [النساء: 59] وقوله تعالى: âمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ á [النساء: 80]، وقوله تعالى: âقُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَá [آل عمران: 31 ـ 32].

وعلى ذلك: فكلا المصدرين يجب الأخذ بهما واعتقاد حجيتهما والتسليم لهما، والاستدلال بهما، والاستنباط منهما.

2 ـ أن السنة مبينة للقرآن الكريم، تفصل مجمله، وتخصص عامه، وتقيد مطلقه وهذا واضح وكثير كما في بيان أوقات الصلاة، وأركانها، وشروطها، وواجباتها، وكيفيتها، وعدد ركعاتها، وكما في تفاصيل أحكام الزكاة، في بيان أنصبتها، وما يخرج فيها، وكذا ما يتعلق ببعض أحكام الحدود والخيانات وغيرها كثير.

والعكس أيضًا حيث جاء بعض الأحكام مجملة في السنة أو مبنية لبعض مسائلها، لكن جاء التفصيل في القرآن الكريم، وذلك مثل ما يتعلق بالزكاة فحددت أصنافها، وأنصبتها، لكن لم يذكر في السنة تفصيل المستحقين لها كما جاء في حديث بعث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن، قال - عليه الصلاة والسلام -: «... فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» فذكر صنفًا واحدًا وهم الفقراء، ولكن جاء في القرآن الكريم تحديد المستحقين مفصلًا كما في قوله تعالى: âإِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِá [التوبة: 60].

ومن هذا الوجه أيضًا تحديد الموقف من الحديث متنًا وسندًا عندما يعارض أصلًا واضحًا في القرآن الكريم، مثل ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة ولد زنا» وهذا الحديث ورد من طرق متعددة تقوي الأخذ به، لكن عند مقارنته بالأصول الشرعية كما في قوله تعالى: âوَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىá [الأنعام: 164] يتبين ضعف الحديث وعدم الأخذ به لهذه المعارضة، وهذا ينفي ما تكلفه بعض من تحدث عن الحديث وأوّله بأنه الغالب على حال هؤلاء. وهذا ليس بصحيح للمعارضة المذكورة، وغيرها فليتنبه لهذه العلاقة الدقيقة التي تحتاج تأملًا دقيقًا وذهنًا حصينًا.

3 ـ أن السنة مؤكدة لما في القرآن الكريم مثبتة لما ورد فيه من أحكام، وهذا كثير أيضًا كما في جملة أركان الإيمان، وأركان الإسلام، ومن ذلك حديث جبريل - عليه السلام - المشهور الذي رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد جاء فيه بيان أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وهما متقرران في القرآن الكريم في آيات عدة يصعب حصرها هنا، وهي معلومة لدى كل قارئ للقرآن.

4 ـ أن تأتي السنة بأحكام زائدة عما في القرآن الكريم، وهذا مثل حديث: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها» وهذا في النكاح. وكذلك ميراث الأخوات مع البنات في قوله - عليه الصلاة والسلام -: «اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة» يعني إذا مات ميت عن بنات وأخوات فترث البنات فرضًا وترث الأخوات عصبًا. وكذلك الأحاديث الدالة على رجم الزاني المحصن، فكل هذه لم ترد في القرآن الكريم لكنها وردت في السنة النبوية، وأخذ بها أهل العلم واستقرت في أحكام الشريعة.

من هنا تبينت علاقة السنة بالقرآن الكريم بأنها علاقة متداخلة متكاملة لا يمكن فهم الدين والشريعة إلا بهما، ومن أنكر ذلك وحاد عنه فقد حاد عن الصراط المستقيم.

وعليه فعلى طالب فهم السنة أن يفقه القرآن الكريم ويتعامل معه قراءة وفهمًا وتفسيرًا.



بحث عن بحث