علاقة العقل بالسنة النبوية والعكس:

يمكن تحديد العلاقة بين السنة النبوية والعقل بما هو مستخلص مما سبق ومتفرع عنه، كما يلي:

1- تقرير التوافق وعدم التعارض في دين الله عز وجل بين النقل – القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة – وبين العقل الصحيح فهما متوافقان وغير متعارضين.

وإذا حدث تعارض في نظر الناظر فهذا يرجع:

أ – إما إلى أن النص غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يحتم التأكد من صحة النص كما سبق في القاعدة الثانية من هذا البحث.

ب- أو قصور نظر المجتهد، والقصور مرده إلى ضعف العلم، أو عدم اجتماع أدواته، أو غياب بعض القواعد، أو انصراف مقصد الناظر إلى مقاصد متفرعة أخرى غير سليمة.

وعلى هذا فالسنة والعقل حميمان.

2- العقل السليم عامل من عوامل فهم السنة، وأداة من أهم أدواته، وقد سبق معنا في قاعدة خاصة أدوات فهم السنة، ومنها: الاجتهاد في الاستنباط في تقرير المسائل والأحكام، وهذا الاجتهاد مبناه على دقة النظر وقوة الاستنباط وبلا شك أنه ليس العامل الوحيد فهناك جملة عوامل كالعلم بالقرآن الكريم، وبالسنة نفسها، واللغة العربية، والقواعد الأصولية والفقهية وغيرها مما هو مفصل في أصول الفقه، لكن سلامة العقل هو العامل الأساس الذي يستطيع صاحبه الاستنباط الدقيق للأحكام والمسائل والفوائد صغيرة كانت أو كبيرة.

3- ومع أهمية ما سبق ذكره في الفقرة السابقة إلا أن هناك مسائل كبرى لا يستطيع العقل الخوض فيها لأنه مهما بلغ فلا يستطيع الوصول إليها فهو محدود، والله سبحانه وتعالى جعل مقدرته لا تصل إلى هذه القضايا.

ومعنى ذلك أنه مهما بذل هذا العقل من جهد وحاول التعمق فيها فإنه لن يصل إلى نتيجة بل سيتعمق في المسالك المظلمة، وتزداد الحيرة، ويقع في الضلال، ومن أهم هذه المسائل:

أ – قضايا العقيدة الغيبية، كأسماء الله تعالى وصفاته ومحاولة تكييفها، ومن المعلوم أن منهج أهل السنة والجماعة هو الإيمان بها ومعرفة معناها والجهل بكيفيتها، ومن ثمّ فلا يشبه الله سبحانه وتعالى بخلقه، ولا تجحد المعاني كليةً، على حد قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ فنفت الآية تشبيهه سبحانه وتمثيله بأي شيء، وأثبتت له اسمي السميع والبصير الذين يشتق منهما صفة السمع والبصر.

فمهما حاول العقل الدخول في تكييف السمع أو البصر أو غيرها من صفات الله تعالى فسيضل.

وبناءً على ذلك فيكون مهمة العقل هنا هي التلقي والتسليم لما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وعدم المنازعة والمناكفة.

ومن القضايا الغيبية الأخرى الإيمان باليوم الآخر ومنه عالم القبر والبرزخ والحشر والنشر وغيرها من أمور يوم القيامة.

فالعقل هنا لا يدرك كنهها وكيفيتها، وإنما تكون مهمته التسليم والإثبات لما جاء في النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية.

ومنها ما يتعلق بالملائكة، وما أخبر عنها القرآن والسنة، نؤمن به دون الدخول في الكيفية الغائبة عنها مما لم يرد بالنصوص فما ورد نؤمن به مثل:أنهم مخلوقون، وخلقهم قبل بني آدم، وأنهم في السماء، ولهم وظائف يقومون بها كإنزال الوحي، والمطر، وقبض الأرواح، وإحصاء الأعمال وغيرها ومن صفاتهم أن لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع. وأن عددهم كثير جدًّا ويسبحون الله سبحانه الليل والنهار لا يفترون، وغيرها مما ذكر لنا في القرآن أو السنة.

فالعقل يؤمن بهذه النصوص وما ورد فيها، لكن لا يدخل في تكييفها فيضل.

ومنها الجن، وأنهم عالم من العوالم الغيبية لا يدرك العقل حقيقتهم، ولكن يؤمن بوجودهم، وأنهم مكلفون كالبشر وغير ذلك مما ورد في النصوص.

ب - ومن أهم القضايا التي يقف عندها العقل ولا يتعمق فيما وراء النصوص هو القضاء والقدر. ويبقى هنا دوره التسليم والإيمان بما قضاه الله سبحانه وقدره بحسب التفصيل الوارد في النصوص، وملخصه: أن لله سبحانه وتعالى القدرة الكاملة، وأنه علم المقادير كلها وأوجدها وقدّرها وشاءها سبحانه، فإرادته نافذة ومشيئته سبحانه نافذة، على حد قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، وأنه سبحانه أعطى للعبد مشيئة وقدرة يميز فيها بين النافع والضار، ولذا كلفه سبحانه في هذه الحياة. قال سبحانه: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الإنسان: 30]، فأثبت له هذه المشيئة.

والعقل هنا يثبت ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية دون التعمق بما رواء هذه المسائل.



بحث عن بحث