مـدخـل فـي مفهوم النجـاح

ذهبت الدراسات والأبحاث الخاصة بالتنمية البشرية والمهارات العقلية لدى الناس إلى تضييق مفهوم النجاح، وبحثوا القضايا المرتبطة به من جانب واحد ومن زاوية ضيقة، وهي النجاح في بعض الميادين الدنيوية، كالوصول إلى منصب رفيع، أو الحصول على درجة علمية عالية، أو مكانة اجتماعية مرموقة، أو الثراء والغنى الفاحش، وغيرها من هذه الأمور، ولا شك أن كلًا منها يعدّ من مجالات النجاح، ولكنها ليست المنشود الذي ترنو إليه النفس الإنسانية لتحصل على السعادة الحقيقية في الحياة، بل إن النجاح في بعض هذه الميادين يفقد الإنسان سعادته وراحته، ويجعله يعيش في دوامة القلق والاكتئاب، والمصائب والمشكلات المختلفة، وواقع الناس يشهد على ذلك، وهذا يعني أن النجاح في هذه الميادين نجاح جزئي وليس كلي، وهذا بسبب غياب البعد الإيماني والإنساني وفق الآتي:

ـ ارتباط النجاح بالإنتاج فحسب، دون النظر إلى تلاؤم المنتج مع قدرات الإنسان الذاتية ومواهبه، وهذا النوع من الإنتاج يكون على حساب سعادة الإنسان وراحته، لأن صاحب العمل أو المؤسسة لا ينظر إلى معاناة المنتج بقدر ما يهمه طبيعة الإنتاج وزيادته، وهي حال الإدارات الفاشلة والظالمة التي أغرقت الشعوب في العالمين الشرقي والغربي سنين طويلة، بهدف الإنتاج والتنافس عليه، كما حدث بين الاتحاد السوفيتي سابقًا والدول الرأسمالية.

 ـ إن هذا المفهوم للنجاح يجعل الإنسان ينظر إلى كثرة الإنتاج بغض النظر عن جودته وسلامته ودقة صناعته، أي أن المنتج في هذه الحالة ربما يفقد الإتقان في عمله وإنتاجه من أجل أن يرضي صاحب العمل ويكثر من منتوجاته.

ـ ينجم عن هذه النظرة للنجاح خلل في التوازن بين إنتاج المنتج وبين متطلباته ورغباته التي يحتاج إليها في الحياة من الناحية الإنسانية، سوءا في نفسه أو بدنه أو أسرته وغيرها.

ـ هذه الرؤية للنجاح تهمل الغاية الحقيقية التي من أجلها يعيش الإنسان ويكدح ويعمل في الحياة، وهي آخرته التي تنتظره بعد موته، ورصيده من العمل الصالح الذي جمعه في الدنيا ليفوز به في الآخرة، وينال رضى الله تعالى وجنته، وينجو من عذابه وعقابه.

¡  ¡  ¡

المفهوم الشامل للنجاح :

من هنا يمكن أن نعطي مفهومًا آخر للنجاح بشكل أشمل وأوسع حسب المنهج الإسلامي الصحيح بأن: تكون أهداف الإنسان ووسائله وأعماله متفقة مع قدراته، ومتوازنة مع وقته، ونافعة له ولأسرته ومجتمعه وأمته، ومؤدية إلى سعادته وراحته في الدنيا والآخرة.

وفيما يلي بعض عناصر المفهوم الشامل للنجاح:

 1 ـ ارتباط مفهوم النجاح بالإيمان بالله تعالى الذي يدفع المؤمن نحو العمل بإخلاص وإتقان من أجل الحصول على أفضل النتائج وأسمى الأهداف، قال الله تعالى: âقُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ á .

2 ـ ارتباط مفهوم النجاح بالاستجابة لأمر الله تعالى الذي يحثّ الناس على العمل الصالح وعمارة الكون وفق القوانين والسنن المبينة في الكتاب والسنّة، قال الله تعالى: âإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ á.

3 ـ ارتباط مفهوم النجاح بالسعادة في الدنيا، وبالأجر والثواب في الآخرة، قال الله تعالى: âمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَá.

4 ـ ارتباط مفهوم النجاح بالجانب الأخلاقي والإنساني، بحيث لا يكون النجاح على حساب حقوق الناس وعقائدهم وحرياتهم، بل إن من أهم أولويات النجاح هي المحافظة على مقاصد الشريعة المتمثلة: بالدين والنفس والعقل والنسل والمال.

وهذا مفهوم شامل للنجاح، بخلاف الرؤية الأولى التي اقتصرت على بعض الجوانب الدنيوية، وأهملت الجوانب الإنسانية والأخروية.

أخطاء في المفهوم :

لقد صدّق كثير من المسلمين المفهوم الجزئي للنجاح، واعتبروه النجاح الحقيقي، وقد نجم عن ذلك بعض الأخطاء في ممارساتهم وسلوكياتهم، ومنها على سبيل المثال:

ـ اهتمام الإنسان بذاته في الأمور الشكلية وإهمال النواحي الجوهرية والمعنوية، كاهتمامه بالرياضة والأناقة والملابس، ومن جانب آخر افتقاده للخُلق الحسن في التعامل والتحاور مع الآخرين.

ـ اهتمامه بنفسه وما تحتاج إليه من عناية ومتابعة، وإهمال مسؤوليته الأسرية، ورعاية زوجته وأولاده ومتابعة أحوالهم التربوية والدينية والمالية وغيرها، بحجة أنه لا يملك الوقت الكافي للقيام بهذه المهمة، وأن أعماله الخارجية تفرض عليه الغياب عن البيت لأيام أو أسابيع في السفر والترحال، من أجل أن يحقق نوعًا من النجاح، وذلك على حساب أسرته وتعريضها للتفكك والتشرد والفساد.

ـ أو بخلاف السابق، الاهتمام الزائد بالأسرة والحرص على تلبية حوائجها ورعايتها وتأمين جميع الخدمات لها، على حساب شخصيته وأعماله الخارجية الأخرى، وهذا أيضًا يؤدي إلى إقصاء نفسه عن المجتمع وعن الإنتاج من جهة، ومن جهة أخرى يؤدي إلى إفساد الأسرة مرة أخرى لأنها تصبح متكلة عليه، حتى إذا غاب عنها أو أصابه مكروه وعجز عن القيام بواجبه نحوهم، أصاب هذه الأسرة الانهيار والتفكك.

وفي هذه الحالات وغيرها، يضيع التوازن وينشأ التناقض في شخصية الإنسان، فربما يحقق نجاحًا من جانب، لكنه يجلب فشلًا وإحباطًا من جوانب أخرى، لذا كان لابد من تصحيح الرؤية إلى مفهوم النجاح بصورة شاملة، وأن أي مكسب أو تقدم أو تحقيق لهدف لا يعدّ نجاحًا إلا إذا حصل الخير والمنفعة من جميع الجوانب.

النجاح بمفهومه الشامل (حقيقة ونماذج) :

ربما يسأل البعض: هل هناك نجاح بهذا المفهوم الشامل وهل يوجد ناجحون حقيقيون بهذا المفهوم؟

إن الله خلق الإنسان، وخلق من حوله السموات والأرض وما فيهما من الخلائق والكائنات ما نعلم عنها وما لا نعلم، وجعل بين جميع هذه المخلوقات نظامًا وتنسيقًا لا يعزب شيء منها عن الآخر، ومن خلال هذا التناسق والتناغم بين المخلوقات والموجودات الكونية وضع للإنسان مفهومًا للنجاح الحقيقي الشامل، وجعله حقيقة رسالته في الحياة وأساسها، ومن ثم هو أمر قابل للتطبيق لأنه تعالى لا يكلف عباده بما لا يطيقون، لقوله: âلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا á، وقوله: âلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَاá، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا».

من أجل ذلك فإن قابلية تحقيق النجاح الشامل واردة بلا شك، وهو موجود منذ أن خلق الله الخليقة وأنزل الرسل والأنبياء عليهم السلام، وسيبقى إلى يوم القيامة، وقبل بيان أمثلة، دعنا ـ أخي القارئ ـ نتأمل الصور التي تحكيها هذه الآيات للناجحين بهذا المفهوم الشامل:

قوله تعالى: âإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴿30 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴿31 نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ á .

وقوله تعالى: âأَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62 الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿63 لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ á.

وقوله تعالى: âقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿2 وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿3 وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿4 وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿6 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ á.

وقوله جل ثناؤه: âالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿3 وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿4 أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَá  وغيرها من الآيات كثيرة.

هذه الآيات ركزت على :

1 ـ بعض صفات الناجحين، مثل الإيمان بالله تعالى، والاستقامة، والحفاظ على الصلوات والخشوع فيها حين أدائها، وطهارة النفس وحمايتها من الفواحش، وكذلك عدم الخوف والحزن على الدنيا.

2 ـ ارتباط مفهوم النجاح بالدنيا والآخرة.

3 ـ مآل الناجحين عند الله هو الجنة والنعيم المقيم، حيث أشار الله في كل هذه الآيات إلى ذلك، كما في قوله تعالى: âوَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَá، وكذلك قوله: âذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ á، وقوله: âقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ á، وقوله: âوَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ á.

قدوة الناجحين :

ولنعد إلى التطبيق في الإجابة على السؤال:

إن الناظر في التاريخ الإسلامي سيجد أن الأمة المسلمة، أخرجت جموعًا من الناجحين الذين عمّروا الأرض وأرسوا فيها قواعد العدل والمساواة والحرية، وأول أولئك رسول الله وخير خلقه صلى الله عليه وسلم، حيث كان مثلًا للنجاح الشامل، في علاقته مع خالقه وعلاقته مع الخَلق بحسن خلقه مع أهل بيته ومع الصحابة من حوله، ومع الصغار والشيوخ والنساء، وكذلك جهاده وصبره وتحمله لتبليغ رسالة الإسلام إلى الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومبادئه في التعامل مع الأعداء في حالات السلم والحرب، بل وأخلاقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات والحث على الرحمة والرأفة بها.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم «القدوة» و«المثال» للناجحين هو النموذج التطبيقي والصورة العملية والواقعية وليس ضربًا من النظرية والخيال.

وأتبع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا النجاح ذلك الجيل الذي تخرج من بين يديه، أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وخالد بن الوليد وغيرهم من الصحابة ن جميعًا.

وبعدهم من التابعين أمثال الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، ومن بعدهم مالك بن أنس، والشافعي وأحمد بن حنبل وابن تيمية، وغيرهم إلى يوم الدين.

بل إن هذا الإسلام قد أخرج نماذج من النساء الناجحات أمثال خديجة وعائشة وأسماء وأم عمارة رضي الله عنهن جميعًا.

وبقيت هذه النماذج تظهر بأشكال متعددة في العصور التي تلت تلك القرون وستبقى إلى يوم الدين، ما دامت الأمة متمسكة بقواعد النجاح المستمدة من كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وهو مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه».

وأما التقعيد النظري الدال على هذا المفهوم الشامل للنجاح فقول الله تعالى: âوَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ á.

تجزئة النجاح :

إن تجزئة النجاح تختلف من التصور الإسلامي عن غيره من التصورات، فحسب التصور الإسلامي يتجزأ النجاح بحكم المجال أو الميدان الذي يعمل فيه الإنسان، أو القيام بأداء رسالة معينة في الحياة، فهناك نجاح في مجال الطب، ونجاح في مجال التقنيات، ونجاح في مجال الأسرة والاجتماع، ونجاح في فن الاتصال مع الآخرين، وغيرها، إلا أنها جميعًا يجب أن تكون ذات علاقة وطيدة بالجانب الأخروي، وأنها جزء لا يتجزأ من رسالة الإنسان في الحياة التي حددها له خالقه جلّ وعلا، بمعنى آخر إن الإنسان له أن يعمل في الحياة في أية جزئية منها ويحقق فيها أعلى مراتب النجاح بشرط أن تكون ضمن الدائرة التي حددها الله تعالى بالأمر والنهي، والحلال والحرام، وأن يسعى في ذلك من أجل تحقيق المنفعة وتحصيل رضى الله ومثوبته.

أما تجزئة النجاح بحسب التصورات الأخرى، فهي تجزئة حقيقية، لا تمت بصلة إلى دوافع أخروية أو إيمانية، فقد تتحقق نجاحات كبيرة في جزئيات من الحياة، ولكنها تكون في جميع الأحوال على حساب الجانب الأخروي.

وبالتالي يمكن القول بأن النجاح في التصور الإسلامي ـ وهو النجاح الشامل ـ قائم على الجانب الدنيوي والأخروي، وأما النجاح في التصورات الأخرى ـ وهو النجاح الناقص والمجزأ ـ قائم على جانب دنيوي فحسب.

ومن أجل ذلك نجد عند الناجحين من الفريق الأول ثوابت أخلاقية يرتكزون عليها في جميع أحوالهم، أما الفريق الآخر فيفتقدون إلى هذه الثوابت، والدليل على ذلك ما يشهده العالم المعاصر كيف أن القوى العظمى التي حققت تفوقًا تقنيًا هائلًا لم تستخدم نجاحاتها من أجل إسعاد الإنسانية وراحتها بالشكل المطلوب، وإنما جعلتها وسيلة للإفساد والدمار والقتل.

القواعد التي تحقق النجاح الشامل

إن كل ما يجري في الكون هو من أمر الله تعالى وتحت إدارته، فلا يتحرك ساكن ولا يسكن متحرك إلا وفق الإرادة الربانية، والنجاح الشامل الذي يحققه المؤمن في الحياة يتحرك ضمن هذه الإرادة، فلا نجاح ولا توفيق إلا من الله وبعد التوكل عليه والاستعانة به، ولكن الله في الوقت نفسه أمر عباده باتّباع الأسباب التي تحقق لهم النجاح والتقدم والفوز في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى: âوَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ á. وقوله تعالى: âهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُá، فإنه جلّ وعلا طلب السعي والعمل في الأرض وهو السبب في جلب الرزق في الحياة، وكذلك قوله تعالى في اتخاذ الأسباب لمواجهة الأعداء من تجهيز العتاد اللازمة لهذه المواجهة: âوَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ á.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الشأن نفسه: «يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء» أو قال: «دواء إلا داء واحدا» قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: «الهرم».

فالقواعد التي تعين الإنسان على تحقيق النجاح هي وسائل وأسباب لهذا النجاح، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإيمان بالله وإرادته وتوفيقه، لأن قوة النجاح وفاعليتها ليست في ذات الأسباب وإنما هي إرادة ربانية، وقد أمر الله الناس بالتوكل عليه ثم القيام بالعمل والحركة، فلا ينفصل جانب عن آخر، وإهمال أي جانب يعني احتمال وقوع الفشل في الحياة.

وفيما يلي بعض القواعد العامة التي تحقق النجاح الشامل في الحياة بصورة عامة، بعد التوكل على الله وطلب العون والتوفيق منه جلّ ثناؤه:



بحث عن بحث