القاعدة الأولى:

وجود الرغبة للنجاح

مفهوم الرغبة :

هي الإرادة التي تدفع الإنسان للانتقال من حال إلى أخرى، وتحدد مسار هذه الرغبة النيّةُ المصاحبة لها، فيتوجه الإنسان بعدها إلى الخير أو إلى الشر.

والرغبة هي فطرة كامنة داخل كل إنسان، تتحرك في الاتجاهات المختلفة حسب الحال التي يكون عليها الإنسان، فحين يقف الإنسان مثلًا على شاطئ ويسبح في أطراف البحر وينتعش بمائه، ويداعب أطفاله فيه، يكون الأمر طبيعيًا ولا يتخوف من هذا الماء، أما إذا كان في تلك الحال وإذا بالأمواج القوية تقترب منه فإنه، وبشكل لا شعوري، يندفع لينقذ نفسه وأهله مسرعًا لترك ذلك الشاطئ، فتلك القوة التي حرّكت فيه هذا السلوك هي الرغبة الفطرية التي تجعل الإنسان يحافظ على بقائه، وتبعّده عن أسباب إيذائه وموته.

وكذلك الحال بالنسبة للمريض الذي يبذل كل ما لديه من جهد ومال وأولاد من أجل أن يتعافى ويبقى على قيد الحياة سليمًا، وهكذا.

أنواع الرغبة :

للحفاظ على ضبط مفهوم الرغبة، من أجل عدم التشتت في مساراتها المختلفة، يمكن تصنيفها إلى نوعين:

ـ الرغبة التي تدفع الإنسان نحو الخير وتسمى الرغبة المباحة أو الخيّرة.

ـ والأخرى التي تدفعه نحو الشر وتسمى الرغبة الشريرة أو الفاسدة.

فأما الرغبة الخيّرة فغالبًا ما تحقق النجاح، وأما الرغبة الفاسدة فغالبًا ما تجلب الفشل والضرر للإنسان والحياة.

وقد ذُكرتْ هاتان الرغبتان في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، حيث جاء الحث على الرغبة الخيّرة وإنمائها في النفوس وحدد الثواب المترتب عليها، وبالمقابل جاء النهي عن الرغبة الشريرة والفاسدة والعاقبة المترتبة عليها كما في قوله تعالى: âفَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴿5 وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴿6 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴿7 وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ﴿8 وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴿9 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى      á.

والرغبة التي نحن بصددها هي الرغبة المباحة أو الخيّرة، والتي تتمثل في كل ما هو مباح، ويمكن الإشارة إلى بعض أنواعها:

1 ـ رغبة البقاء في الحياة:

وهي من الأمور الجبلية التي فطر الله الناس عليها، فكل مخلوق مجبول على حب البقاء والعيش في الحياة، ويكره الإيذاء والرحيل عن ظهر الأرض، رغم أنه على يقين باستحالة الخلود وحتمية الرحيل، ومن أهم العوامل التي تساعد على إيجاد هذه الرغبة في الإنسان هي حاجاته الضرورية التي تتحدد في الأكل والشرب والنوم والتنفس والتداوي من الأمراض، والابتعاد عن مواطن الخطر والإيذاء.

2 ـ الرغبة الناتجة عن دوافع خارجية:

كالتي تنتج عن التعامل مع المجتمع وفق عادات وتقاليد معينة، وتكوين الأصدقاء والتأثير عليهم والتأثر بهم، وكذلك طبيعة العمل الذي يأخذ قسطًا كبيرًا من وقت الإنسان، وظروف هذا العمل وبيئته وغيرها من العوامل الخارجية التي تؤثر في إيجاد هذه الرغبة.

وبناءً على هذه الرغبة: فإن الذي يتحكم في رغبات الإنسان ومساره في الحياة هو: المجتمع.

ويؤخذ على هذه الرغبة ملاحظة مهمة تمثل مشكلة في حقيقة الأمر، وهي أن إنتاج الإنسان ونجاحه رهين قبول الآخرين أو رفضهم، بالمدح أو الذم، فجلّ وقت الإنسان المنتج يكون ملكًا لغيره من المسؤول أو المدير أو المجتمع من حوله، ويبقى هو في انتظار مدح أو ثناء منهم، وهذا هو مفصل المشكلة ونقطة الضعف في هذه الرغبة، لأن الإنسان في هذه الحالة يفقد حريته في العمل ويتحول إلى أسير عند صاحب العمل، أو عند تقييم المجتمع له، فهذا الحجر للحرية يزيده ضعفًا وانتكاسًا في تحقيق النجاح الحقيقي، مع العلم أن رأي الآخرين مهم له في عمله وإنتاجه وسلوكه إذا تعامل مع ذلك بشكل إيجابي.

ثم إن المراقبة يجب أن تكون نابعة من أعماقه وإيمانه بالله، وأن يكون المحاسب الأول والأخير في تصوره هو الله، فيكون مبتغاه الأول هو رضى الله الذي أمره بالإتقان والعدل والإنصاف.

3 ـ الرغبة الناتجة من الداخل:

وهي التي تنبع من عقيدة الإنسان وتصوره للحياة والكون والإنسان، وهي الرغبة الحقيقية والصادقة التي ينبغي أن تتحقق في واقع الحياة لدى كل الناس، إذ هي وفق عقيدته وقناعاته ورغباته.

ثمرات هذه الرغبة :

لهذه الرغبة ثمرات وفوائد كثيرة تحف صاحبها من كل جانب في الدنيا والآخرة، ومن أهمها:

ـ هي التي تجعل المؤمن يقوم الليل، ويترك الفراش الوثير في الليالي الباردة، فيقعد في دياجيها المظلمة، ليقدم ركعات لله تعالى ويذكره ببعض التسبيحات والتكبيرات والدعوات.

ـ وهي التي تجعل المؤمن يصوم رمضان، فيدع طعامه وشرابه وشهواته شهرًا كاملًا، امتثالًا لأمر الله.

ـ وهي التي يجعل التاجر المؤمن يخرج زكاة أمواله وممتلكاته، ويتصدق على المحتاجين والضعفاء.

ـ وهي التي تدفع الشاب المؤمن القوي أن ينفع غيره من الضعفاء والشيوخ والنساء.

ـ وهي التي تدفع المؤمن أن يبذل أغلى ما عنده، وهو الروح التي يعيش بها، رخيصة في سبيل الله وإعلاء لكلمته، لينال الشهادة والمغفرة عند ربه.

ـ وهي التي تجعل الأم توقظ أبناءها في الصباح الباكر للصلاة، وتجهزهم للخروج للمدارس لتحصيل المعرفة والعلوم.

ـ وهي التي تجعل الأب يقدم شبابه وقوته وراحته من أجل تأمين حاجات أسرته وأهل بيته.

ـ وهي التي تجعل الطبيب يهجر نومه، ويترك الجلوس مع أولاده حين تأتيه حالة طارئة لمريض. ونحو ذلك.

كل هذه الأعمال وغيرها من الفضائل نابعة من رغبة كامنة في نفس الإنسان، تخرج إلى الواقع فتتحول إلى نجاح حقيقي، يرضي الله تعالى، ويتلقى القبول من الناس.

فهذه الرغبة هي المنشودة، وتندرج إلى رغبات جزئية صالحة، في ميادين صالحة، لتحقق النجاحات المختلفة.

كيف تتولد الرغبة لتحقيق النجاح؟

إن عملية تولد الرغبة وتوجيهها الوجهة الصحيحة بحاجة إلى جلسة مع النفس، في جو هادئ بعيد عن الضجيج والصخب، وبعد استشعار المسؤولية المنوطة بالإنسان والرسالة التي كلف بأدائها في الحياة، لقول    الله تعالى: âهُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَاá، وكذلك قوله تعالى: âوَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً á.

خطوات تولّد الرغبة :

إن استشعار المهمة الملقاة على كاهل الإنسان، أكبر دافع له لتحديد هدفه بشكل صحيح، والعمل على تهيئة الأسباب اللازمة لتحقيقه، وثمة خطوات مبدئية لتحديد الهدف الذي يسعى إليه الإنسان، منها:

ـ إحضار قلم وقرطاس لكتابة الخطة التي يمكن السير عليها لتحقيق هذا الهدف، أو إحضار الحاسب الآلي الشخصي، وفتح صفحة جديدة بيضاء.

ـ تحديد نوع الهدف وتحديد القريب منه والمتوسط والبعيد، مع وضع جدول زمني لتحقيق واحد منها.

ـ تحديد الثمرات التي تترتب على تحقيق هذا الهدف، سواء كان منفعة شخصية وذاتية، أو منفعة أسرية، أو منفعة دينية وأخروية، أو غيرها.

ـ تحديد الوسائل التي توصل إلى تحقيق هذا الهدف، كالذي يسعى أن يكون عالمًا عاملًا في الحياة، يعلم الناس العلوم والمعارف، ويرشدهم إلى سبل الخير والهداية، ويحذرهم من طرق الغواية والضلال، ومن تلك الوسائل على سبيل المثال: (القراءة في كتب التفسير، وكتب الحديث، وقراءة السيرة النبوية وحياة الصحابة، ومراجعة أهل العلم والمعرفة والتأدب معهم، وهكذا)،     أو كالذي يسعى أن يكون طبيبًا ماهرًا فعليه:

ـ القراءة في كتب الطب.

ـ المناقشة الهادفة والمفيدة في هذا المجال.

ـ الدراسة المنهجية لهذا التخصص.

ـ المتابعة للمستجدات وهكذا.

بعد ذلك سرعان ما تتولد الرغبة من الداخل، ويتحدد مسارها بالشرع والعقل، لتحقق الهدف المنشود بوضوح وقوة.

مثال تطبيقي على زرع الإرادة والرغبة في الشرع :

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» وقوله: «خير الناس أنفعهم» والأحاديث المرغبة في أي عمل صالح ولو بغير صبغة الخيرية كقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» ومثلها، أو الآيات التي تصف الجنة وما فيها من النعيم المقيم وغيرها.

عند التأمل في مثل هذه النصوص نجد توليد الرغبة للفعل، فمن خلال النص الأول: «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه» يتأمل الإنسان: «الخيرية» وهي كلمة جامعة لخيرية الدنيا والآخرة، يسعى إليها جميع المسلمين في حياتهم.

وتعلّم القرآن يشمل أنواع العلم: من الحفظ والقراءة والتفسير والتأمل في الآيات وتعليمه كذلك.

فإذا عاش الإنسان لحظات مع هذا التأمل، تولَّدتْ الرغبة عنده لتعلّم القرآن وتعليمه، والأمثلة كثيرة في أي مشروع يريده.

الخلاصة :

إن الخطوة الأولى للنجاح هي تولّد الرغبة الكامنة في النفس والإرادة نحوه، فلا تنتقل إلى التالية إلا بعد تولّد الرغبة.



بحث عن بحث