الخطبة الثانية

   الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلاَّ على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد أيها المسلمون!

   هذا الحدث مهما يكن مؤلماً يجب أن يكون منطلقاً لعزتنا بعقيدتنا وأخلاقنا وقيمنا، وأن يشارك الجميع علماء ومفكرون ومربون ومسؤولون على ما فيه رفعتنا، وعلى أهل العلم أن يقوموا بمسؤوليتهم تجاه البيان والتوضيح، حتى يزول اللبس عن الأذهان، ويرتفع الحرج من النفوس، ويكون التقارب والقبول والاستيعاب من أجل تنقية العقول من اللوث، وغسل الأفكار من الدرن المنحرف، فلا بد من توسيع دائرة الاتصال، والثقة بين الناشئة والعلماء والمربين للحوار الهادىء، وقبول النقد الهادف، واستيعاب الآراء واحترامها.

عباد الله !

   ويأتي النظر الجاد في وسائل الإعلام، عليها في ذلك كِفْلٌ عظيم، إن الإعلام وقد أصبح تأثيره عالمياً، فقد شاركت فيه ألسنة وأقلام، وأثارت مناقشات في أصول الدين وفروعه، وهم ليسوا بمتخصصين، غير أن لأحدهم قلماً في صحافة، أو لساناً في إذاعة، أو صورة في شاشة!! حوارات ومناقشات فيها إفك وبهتان، تزعم أن الإسلام والتمسك به هو محضن لتيارات متطرفة، وإفراز لتوجهات عنيفة؟!! وطروحات تتميز بالسطحية، وغايتها التخويف من الدين، ودفعهم لمخاصمة المتدينين والتشكيك في ولائهم، بل هدفها نفي الإسلام عن مركز التوجيه، وإبعاده عن التأثير واستئصاله من مناهج التعليم ومؤسساته، فهذا هو إفكهم، بل هو إرهاب فكري.

عباد الله!

   يجب التفريق بين القلة الشاذة، والسواد الأعظم المستقيم، وأن مواجهة الغلو لا تكون بالتنفير من الدين وأهله، وإخراج أهل الصلاح بصورة منفرة، فإن محاولة تهميش الدين وعزل أهله من أهم أسباب الغلو، فالغلو يعالج ويحارب بكلام الله، وكلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفهم السلف الصالح، وعلى هذا المسار يجب أن يكون توجه الكتَّاب، ووسائل الإعلام والمربين.

أيها المسلمون!

   إن الإسلام عقيدة راسخة في القلب، وآداب في السلوك ظاهرة على الجوارح، فالأذان وصلاة الجماعة وارتياد المساجد، والتزام السنة في اللباس، وإكرام اللحى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك وأمثاله أمور يجب حفظها ورعايتها وتقديرها وتقدير أهلها، والمسلم الحق عنده ثقة بدينه لا تزعزعها طعنات الطاعنين، ولا أخطاء بعض المنتسبين.

   فليهنأ أهل الفضل والصلاح بدينهم في ديار الحرمين، ولتهنأ الدولة، حفظها الله، بعلمائها العاملين وبرجالها الفضلاء العقلاء، ولتطمئن الأمة، بإذن الله، إلى وعي ولاة الأمور ويقظتهم، سدد الله الخطى، وبارك في الجهود، وحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ووقانا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، وجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

   ثم صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال جل وعلا: (إنَّ اللَّه وملائكته يُصلُّون على النبي يا أيُّها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً) (الأحزاب: 56).



بحث عن بحث