قاعدة المصالح والمفاسد وتطبيقاتها الدعوية

 

من أعظم ما يستنبط من هذا الحديث الشريف التعامل مع المصالح والمفاسد المترتبة على الدعوة، وهذا باب واسع، وفضله عظيم، يقول ابن القيم رحمه الله مبينًا أهمية هذه القاعدة: «هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة؛ أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى البعث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله ﷺ أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، وبها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطُوِيَ العالَم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا، وطيَّ العالم، رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة«(1)

ونتناولها في النقاط التالية:

-      دلالة الحديث على قاعدة المصالح والمفاسد.

-      معيار المصلحة والمفسدة في الإسلام.

-      الشريعة جاءت لمصالح العباد.

-      الشارع لم يقصد بالتكاليف الإعنات.

-      مقاصد الشريعة.

-      أهم المصالح المراعاة بها في الشريعة؛ وهي خمسة: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ النسل والعرض.

-      بعض القواعد الفقهية في باب جلب المصالح ودرء المفاسد.

-      سد الذرائع والوسائل المؤدية إلى المضرة.

وسنتناولها بشيء من الإيجاز مع بعض التطبيقات الدعوية على هذه القواعد في وضعنا المعاصر، نسأل الله التوفيق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إعلام الموقعين لابن القيم، 3/11-12. بتصرف يسير.



بحث عن بحث