عوائق وعقبات في طريق الدعوة

 

وكذلك أوذي أصحابه أشد أنواع الأذى في هذا الطريق فعلى سبيل المثال قصة بلال، وعمار وسمية، وصهيب، والمقداد، في المسند عَن زِرٍّ عَن عَبْدِ الله قَالَ: أَوَّلُ مَن أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَهُ الله بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ الله بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُم الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ إِنْسَانٌ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالٌ فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي الله، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ وَأَخَذُوا يَطُوفُونَ بِهِ شِعَابَ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ(1)

 

وكم من صحابي قدم مهجته لإعلاء كلمة الله، فإليك هذه القصة التي رويت عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَن ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِن الْأَنْصَارِ يُقَالُ لهُم الْقُرَّاءُ فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِد، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ، فَبَعَثَهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، فَقَالُوا: اللهمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا. قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا خَالَ أَنَسٍ مِن خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا وَإِنَّهُمْ قَالُوا: اللهمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا(2)

 

وغيرها من القصص كثيرة من أراد تفاصيلها فليرجع إلى مظانها في كتب الحديث والسيرة.

وكذلك التابعون ومن بعدهم من السلف الصالح قد ابتلوا ابتلاءً عظيماً؛ فالإمام مالك : ابتلي عندما أفتى ببعض الفتاوى، والإمام أحمد ابتلي في مسألة خلق القرآن. وكذلك الإمام ابن تيمية : فقد جرت له محن في السجن، وغيرهم كثير.

*          *          *

 

وهكذا حصل ويحصل لكل داعية أراد النصح لهذه الأمة، ولكن ليعلم أنه لا يلزم أن يكون الابتلاء من جنس ما سبق ذكره بالحبس والضرب ونحو ذلك، فقد يكون بالفقر والمرض وتسلط الأعداء، والوشاية عند الولاة، والغمز واللمز، كما يكون بالعقبات المادية، والمعنوية، وحسد الأقران، وكثرة الانتقادات، والتثبيط ممن يريد النصح، ونحو ذلك. ولكن مع ذلك كله على الداعي أن يقابل هذا الابتلاء بالصبر والسلوان، والعفو والصفح،كما قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٧﴾ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [سورة النحل: 127-128]

وكما قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [سورة لقمان: 17]

ولا شك أن النتيجة الحسنة والعاقبة الحميدة تكون دائمًا للمتقين الصابرين كما قال تعالى: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [سورة طه:132] وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [سورة هود:49] وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار﴾ [سورة الرعد: 22].

 

وبالابتلاء يميز الخبيث من الطيب، والكاذب من الصادق ،كما قال تعالى: ﴿ مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [سورة آل عمران: 179]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [سورة العنكبوت :3]. ومن هنا على الداعية أن يكيّف نفسه ويربيها على تحمل ما يعرض له، ومعالجته بالأسلوب الشرعي، صابرًا محتسبًا مستشيرًا غيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسند أحمد (1/404).

(2) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد، برقم: (677).



بحث عن بحث