مهمة الأنبياء

عمارة الأرض: من خلال الدعوة إلى الله تعمر الأرض عمارة حسية ومعنوية بالصالحات والحسنات، ويكرم الصالحون، ويكون لهم سلطان على المجتمع، وبدونها تروج البدع والضلالات، وتكون الشوكة للفساق والفجار، فليحرص الداعية على عمارة هذه الأرض من خلال دعوته، بل قد جعل الله تعالى خلقه الناس لعمارة الأرض كما قال سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٠﴾ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٣١﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿٣٢﴾ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُون﴾ [سورة البقرة: 30-33]. فنلحظ هنا أن جعل خلق آدم عليه السلام ليكون خليفةً في الأرض، والخلافة تعني عمارة الأرض، ومن هنا فالدعوة في هذا الدين يجب أن تكون سبباً لهذه العمارة، وعليه فما كان مفسداً لهذا الكون من فساد وقتل وتدمير فهو خارج عن الهدف الحقيقي، بل لم يجعل الجهاد في سبيل الله إلا للعمارة، فلو كان الجهاد مفسداً للكون لخرج عن هدفه الحقيقي، وهذا المعنى عظيم فليتأمل.

      القيام بمهمّة البلاغ: إن من أهداف الدعوة إلى الله إقامة الحجة على الجميع، ولقد ورد في كثير من الآيات بأن هذا الأمر كان من مهمة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغ﴾ [سورة الشورى: 48]، وقال في موضع آخر: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ﴿٢١﴾ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ﴿٢٢﴾ إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ﴿٢٣﴾ فَيُعَذِّبُهُ اللَّـهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ﴿٢٤﴾ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴿٢٥﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم﴾  [سورة الغاشية: 21-26]، وجاء في موضع آخر: ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [سورة ق: 45]، وكما جاء على لسان إبراهيم: ﴿وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ۖ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِين﴾ [سورة العنكبوت: 18]، يقول القرطبي: « قيل: هو من قول إبراهيم، أي التكذيب عادة الكفار وليس على الرسل إلا التبليغ»(1). وقال تعالى: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [سورة النحل:35]. بل قد ورد هذا المعنى حوالي خمس عشرة مرة في القرآن، وكل ذلك يؤكد بأن مهمة الرسل والنبيين البلاغ المبين. ومعنى ذلك أنه ليس الهدف الحصول على النتائج، فإذا بلّغ المبلّغ حقّق هدفه، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّـهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿١٦٤﴾ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون﴾ [سورة الأعراف: 164-165]. فليفهم هذا المعنى العظيم حتى لا يصل هدف الداعي إلى الانتقام الشخصي، أو المجادلة بالباطل، أو تحقيق ما أراد ولو تبين خلافه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، المجلد السابع, 13/336.

مهمة الأنبياء



بحث عن بحث