نشأة الحديث الموضوعي وتاريخه

أولاً: لمحة مختصرة عن نشأة علوم السنة وتغييرها:

1-السنة في العهد النبوي: كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم  فيبلغ الناس ما نزل عليهم من ربهم وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  أنه أوتي القرآن ومثله معه بقوله صلى الله عليه وسلم : (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) وهي السنة المطهرة فعلم الصحابة ن لها مكانها من الدين وحرصوا عليها كما حرصوا على القرآن الكريم فكانوا يأخذون عن النبي صلى الله عليه وسلم  ويحفظون في صدورهم وقليل منهم من كان يعرف الكتابة ومن كان كذلك كان يكتب كما وقع من عبد الله ابن عمرو بن العاص م حيث قال أبو هريرة رضي الله عنه : (ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب).

وكان هناك ثلاثة من الصحابة ن اشتهرت عنهم أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم  فيها كراهة كتابة الحديث وهم:

1- ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه  قال: (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه).

2- ما رواه أبو هريرة:أن النبي صلى الله عليه وسلم  بلغه أن ناساً قد كتبوا حديث فجمعه وأحرقه.

3- ما رواه زيد بن ثابت رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أمر أن لا يكتب شيء من حديثه.

فأخذ بعض أهل العلم من هذه الأحاديث أن كتابة السنة محظورة، لكن أجيب عنها بما يلي:

أما رواية أبي هريرة رضي الله عنه  فضعيفة، وقد جاءت من طريق عبد الرحمن بن زيد عن أبيه، وروايته منكرة، كما قال الذهبي وغيره .

وأما حديث زيد فضعيف أيضاً للانقطاع ويبقى حديث أبي سعيد فهو صحيح، لكن قال ابن حجر: (ومنهم من أعل حديث أبي سعيد وقال الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره).

وعلى فرض صحة الرواية فليجمع بينها وبين ما ورد عن بعض الصحابة من كتابتهم وما ورد من إذن النبي صلى الله عليه وسلم  لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه  بالكتابة ومكاتبته للملوك والحكام وقوله في حجة الوداع: (اكتبوا لأبي شاة)، فللجمع مذاهب أهمها:

1- أن أحاديث النهي منسوخة بأحاديث إباحة الكتابة.

2- أن النهي كان عاماً والإذن كان خاصاً بمن طلب ذلك.

3- أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن خشية الالتباس بينهما، لكن الإجماع فيما بعد استقر على الكتابة.

السنة في عهد الخلفاء الراشدين:

رغم كثرة الفتوحات واختلاط المسلمين بغيرهم وبداية ظهور الخلاف والفرقة الإسلامية إلا أن الحديث النبوي ظل سالماً من التحريف والتغيير ودخول الوضع فيه لما تميز به هذا العهد من ميزات أهمها:

1- جمع القرآن الكريم، بداية في عهد أبي بكر رضي الله عنه  وانتهاء بعهد عثمان ابن عفان رضي الله عنه  حيث جمع الناس على مصحف واحد.

 2- تثبت الصحابة في رواية الحديث وحرصهم على التقليل من روايته ومنعهم الرواة من التحديث بما يعلو على فهم العامة، حتى لا يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولا يدخل في السنة ما ليس منها.

السنة بعد زمن الخلافة حتى عصر التدوين:

في هذا العصر بدأ الخلاف يدب أطرافه في العالم الإسلامي وبدأت الفرقة بالظهور وبدأت تستشرف وتقوى وكان من سمات بعض تلك المذاهب والفرق وضع الحديث بما يؤيد مذاهبها.

لكن كان في مقابل هؤلاء جهابذة العلماء الذين تصدوا لمحاولة الوضع والدس في الحديث النبوي الشريف فلم يكن يقبل من طريق أرباب هذه النحل وبدأ التثبت في الحديث وطلب الإسناد.

ومما برز أيضاً أن عهد الصحابة ن بدأ ينقص بوفاتهم أو استشهادهم في المعارك وكان من نتيجة ذلك بداية الرحلة في طلب العلم وبداية تدوين الحديث، وكان أول من أمر بتدوين الحديث من الخلفاء عمر بن العزيز رضي الله عنه   حيث كتب إلى أبي بكر بن حزم : أن (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء).

وكان أول المستجيبين لهذه الدعوة الإمام محمد بن شهاب الزهري : المتوفى سنة: ( 125هـ ).

السنة في عصر التدوين:

في هذا الوقت أي في المائة الثانية للهجرة أقبل العلماء على كتابة السنن وتدوينها وشاع ذلك في الطبقة التي تلي طبقة الزهري، فكتب ابن جريج بمكة ت (150) هـ وابن إسحاق (151) هـ والإمام مالك (179) هـ بالمدينة والربيع بن صبيح (160) هـ وابن أبي عروبة (156) هـ بالبصرة والإمام سفيان الثوري (161) هـ بالكوفة والإمام محمد بن عمرو (156) هـ بالشام والإمام معمر بن راشد (153) هـ باليمن وغيرهم.

وقد كان هؤلاء جميعاً في عصر واحد ولا يدري أيهم أسبق إلى جمع الحديث.

ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم على النهج على منوالهم.

وقد أخذ التصنيف في هذا العصر منهجين هما:

  • التصنيف على المسانيد والمراد به جمع حديث كل صحابي على حده دون النظر إلى موضوع الحديث، مثل مسند الإمام أحمد بن حنبل ومسند الإمام أبي الحميدي.
  • التصنيف على الأبواب والمراد به جمع حديث كل موضوع على حده دون النظر إلى راويه من الصحابة مثل: (الصحاح، السنن، المصنفات، والجوامع، الموطآت).

وكان من سمات هذا العصر ما يلي:

1- جمع الأحاديث النبوية المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

2- ذكر بعض أقوال الصحابة والتابعين ويظهر هذا في المصنفات والمسانيد بكثرة بينما تقل في الصحاح.

3- الاعتناء بذكر الإسناد من المصنف إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

4- الاعتناء بالمقبول (وهو الصحيح و الحسن) وذكر شيء من الضعيف، إلا من اشتراط الصحة كالصحيحين.

5- عدم النص على الحكم على الحديث في الغالب، وإن كان بعضهم نص كالترمذي : أو يسن منهجاً عاماً كأبي داود السجستاني : وكانوا يذكرون الإسناد ويكتفون بذلك.

6- عدم الاعتناء بالتعليق على هذه الأحاديث فهم يكتفون بذكر العنوان كأحمد في مسنده فلم يضمنه أي تعليق، وإنما أورد أحاديث مسندة وكذا البخاري الذي اكتفى بذكر عناوين التراجم واستنبط منها فقه الحديث.

7- عدم اختلاط الحديث بغيره من كلام الناس حتى لو كان إماماً في الحديث.

وفي هذا القرن الثالث وما بعده تنوعت الكتابة في السنة النبوية فانبثق ومن هذا التنوع ما يلي:

1- التصنيف على المسانيد وهي الكتب الحديثة التي صنفها مؤلفوها على مسانيد أسماء الصحابة وتنوعت المسانيد ومن أشهرها مسند الإمام أحمد ابن حنبل :، لكن انبثق منها مسانيد خاصة كمسند أبي بكر رضي الله عنه ، وغيره.

2- التصنيف على الأبواب وهذه أكثر تشقيقاً وهي تعنى بجميع أبواب الدين، ومنها:

* الجوامع: وهي كل كتاب حديثي صنفه مصنفه على جميع أبواب الدين من العقائد والأحكام والرقائق والآداب والتفسير والتاريخ والسير والفتن والمناقب والمثالب.

* والجوامع غالباً ما تعتني بأبواب الدين كلها مثل: جامع الثوري (161) هـ وجامع بن عيينة (198) هـ وجامع معمر بن راشد (154) هـ وجامع أبي بكر الخلال الحنبلي.

ويتبع الجوامع:

* المستدركات وهي: كل كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث التي استدركها على كتاب آخر مما فاته على شرطه مثل المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم (405) هـ والمستدرك على الصحيحين لأبي ذر الهروي (434) هـ والمستدرك على الصحيحين للدارقطني (385) واسمه (الالزامات).

* المستخرجات: جمع مستخرج والمستخرج عند المحدثين أن يأتي المصنف المستخرج إلى كتاب من كتب الحديث فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه ولو في الصحابي، وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سنداً يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علو أو زيادة مهمة مثل:

1- مستخرج الحافظ بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (371 ).

2- مستخرج الحافظ أبي عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الأسفراييني.

وهناك مستخرجات على غير الصحاح مثل:

1- مستخرج ابن أصبغ وأبي بكر بن منجويه وابن فرج القرطبي ثلاثتهم على سنن أبي داود (275).

2- مستخرج أبي نعيم الأصفهاني على التوحيد لابن خزيمة (430  ).

3- مستخرج أبي بكر بن منجويه والطوسي كلاهما على سنن الترمذي (279).

* المجاميع: جمع مجمع وهو كل كتاب جمع فيه مؤلفه أحاديث عدة مصنفات ورتبه على ترتيب تلك المصنفات التي جمعها فيه.

مثل الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي (488) هـ وأيضاً الجمع بين الأصول الستة لأبي الحسن الأندلسي المسمى التجريد للصحاح والسنن.

* الزوائد: والمقصود بها المصنفات التي يجمع فيها مؤلفوها الأحاديث الزائدة في بعض الكتب عن الأحاديث الموجودة في كتب أخرى ومن أشهرها كتاب: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (807) هـ وكتاب المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر (852) هـ.

تصنيف الكتب المهمة:

3- كتاب تهتم بجمع أكثر أبواب الدين لا سيما الموضوعات الفقهية: وأشهر أسماء هذا القسم: السنن – المصنفات- الموطأت.

* السنن: هي الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية، وتشتمل على الأحاديث المرفوعة فقط وليس فيها شيء من الموقوف أو المقطوع.

ومن أمثلتها: سنن أبي داود السجستاني (275) هـ وبقية السنن الأربعة.

* المصنفات: المصنف في اصطلاح المحدثين هو: الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية والمشتمل على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة.

ومن أمثلتها: المصنف لابن أبي شيبة (235) هـ المصنف لعبد الرزاق الصنعاني (211) هـ.

* الموطآت: هي الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية وتشتمل على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة فهو كالمصنف تماما إلا أن مؤلفه يضمنه بعض استنباطاته ومن أمثلته: موطأ مالك (179) هـ الموطأ لابن أبي ذئب (185) هـ.

4- المصنفات المشتملة على الأحاديث المتعلقة بجانب من جوانب الدين أو باب من أبوابه ومن أشهرها:

* الأجزاء: والأجزاء جمع جزء والجزء الحديثي يعني كتاباً صغيراً يشتمل على أحد أمرين:

1- إما جمع الأحاديث المروية عن واحد من الصحابة أو من بعدهم مثل: جزء ما رواه أبو حنيفة عن الصحابة لأبي معشر الطبراني (178) هـ.

2- وإما جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد على سبيل البسط والاستقصاء مثل رفع اليدين في الصلاة للبخاري.

* الترغيب والترهيب: وهي الكتب الحديثية المرتبة على أساس جمع الأحاديث الواردة في الترغيب بأمر من الأمور أو الترهيب من أمر من الأمور المنهي عنها.

ومن أمثلة هذا النوع:

1- الترغيب والترهيب للمنذري (656) هـ.

2- الزهد والفضائل والآداب والأخلاق وهي كتب في موضوعات خاصة يفردها أصحابها في مؤلف خاص، وهذا القسم أخص من القسم السابق ومن أمثلته:

1- كتاب ذم الغيبة لابن أبي الدنيا (281) هـ.

2- كتاب ذم الدنيا.

3- كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل (241) هـ.

4- كتاب الذكر والدعاء لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة (182) هـ.

5- كتاب رياض الصالحين للنووي (676) هـ.

سمات هذه المصنفات:

ويمكن تلخيص أبرز السمات لكتب جمع الحديث لأبواب الدين أو أكثرها ما يلي:

1- أن الكتابة فيها تتسم بجمع الأحاديث دون دراسة أسانيدها.

2- خلوها من الشرح في الغالب أو التعليق إلا شيئاً يسيراً.

3- ذكر الحكم أو ما يدل عليه غالباً وهناك من لم يلتزم بذلك.

وهكذا استمر التأليف للشرح والاختصار والزيادة وغيرها إلى وقتنا الحاضر مما محله التفصيل فيه كتب تاريخ السنة.

ثانياً: نشأة الحديث الموضوعي:

التأليف والتصنيف في الحديث الموضوعي ظهرت بوادره زمن الصحابة رضوان الله عليهم وقد مر بعده بعدة مراحل إلى أن أخذ شكلاً استقلالياً حيث ألفت كتب وأجزاء.

ولعلنا نقسم نشأة الحديث الموضوعي – بناء على ما سبق في نشأة التأليف في السنة- على مرحلتين:

المرحلة الأولى: الحديث الموضوعي زمن الصحابة حتى عصر التدوين.

المرحلة الثانية: الحديث الموضوعي في عصر التدوين وما بعده إلى الوقت المعاصر.

المرحلة الأولى: التصنيف الموضوعي زمن الصحابة حتى عصر التدوين:

ظهرت بوادر التأليف في الحديث الموضوعي في زمن الصحابة رضوان الله عليهم حيث جمع جابر رضي الله عنه منسك في الحج.

قال الحافظ الذهبي :: (وله منسك صغير في الحج) أخرجه مسلم.

وقد وجد في هذا القرن من التابعين من كتب في موضوعات شتى حيث جمع عدة أحاديث في باب واحد منهم:

عامر بن شراحيل الهمداني الشعبي (19-103هـ): وهو من أوائل من كتب في الموضوعات، قال ابن حجر : تعالى بعد قوله: أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح البخاري (....وهذا بالنسبة إلى الجمع بالأبواب، أما جمع حديث إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي فإنه روي عنه أنه قال: هذا باب من الطلاق جسيم وساق فيه أحاديث).

بيد أن ما كتبه الشعبي : تعالى يتعلق بالأمور القضائية ربما لأنه كان قاضياً لذلك اضطر لتأليف تلك الكتب لاحتياجه إليها، ومنها:

كتاب الجراحات وكتاب الفرائض.

فعن أبي الحصين قال: لم يوجد للشعبي كتاب بعد موته إلا الفرائض والجراحات.

وكذلك كتاب المغازي، فعن عبد الملك بن عمير قال: مر ابن عمر م بالشعبي : وهو يقرأ المغازي قال: كأنه شاهداً معنا، وكتاب الطلاق السابق ذكره.

وكذلك أبان بن عثمان (20-105هـ) ممن صنف في الحديث الموضوعي فله كتاب في المغازي، روى يحي بن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه لم يكن عنده خط مكتوب من الحديث إلا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم  أخذها من أبان بن عثمان فكان كثيراً ما تقرأ عليه وأمرنا بتعلمها.

وكذلك موسى بن عقبة القرشي (60-141هـ): أدرك ابن عمر رضي الله عنه وله كتاب في المغازي.

فعن معن بن عيسى قال: كان مالك بن أنس إذا قيل له مغازي من نكتب؟ قال: عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة.

ويمكن استخلاص أهم ميزة لهذا العصر فيما يتصل بالحديث الموضوعي وهي جمع أحاديث موضوع واحد فكان ذلك نواة التأليف في الحديث الموضوعي.


المرحلة الثانية: التصنيف الموضوعي في القرن الثاني وما بعده:

كان التأليف الموضوعي في هذا العصر امتداداً للعصر السابق.

وممن صنف فيه في هذا بداية هذا العصر عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (80-150هـ): وكان من أول من صنف الكتب، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل قلت لأبي: من أول من صنف الكتب، قال: ابن جريج وابن أبي عروبة.

وقد جمع ابن جريج بين صورتين من صور التصنيف الموضوعي في مؤلفاته حيث ألف كتاب السنن وهو يحتوي على مثل ما يحتوي عليه كتب السنن مثل الطهارة والصيام وله كذلك كتاب الحج أو المناسك وكتاب التفسير.

وله كتاب في المغازي قال معمر بن عثمان الجزري: كتبت عنه صحيفتين في المغازي، فاستعارهما مني رجل فذهب بهما ولم أعد قبلهما كتاباً.

وله كذلك كتاب الجامع وهو مرتب على الأبواب الفقهية.

وكذلك سعيد بن أبي عروبة (80-155هـ): وهو من أول من صنف الكتب وقد جمع في الصلاة والطلاق ومناسك الحج.

قال أبو خلدة قلت لأبي العالية: أعطني بعض كتبك فقال: ما كتبت شيئاً ولو كنت كتبت شيئاً لأعطيتك وأكرمتك، وأني كتبت ثلاثة أشياء تحية الصلاة وأبواب الطلاق ومناسك الحج.

زائدة بن قدامة (161هـ) له كتاب في الزهد والتفسير والقراءات، قال عنه الذهبي: وقد كان صنف حديثه وألف في القراءات وفي التفسير والزهد.

وكان لابن المبارك (118-181هـ) كتاب الجهاد وكتاب الزهد ولأبي يوسف صاحب أبي حنيفة (113-182هـ) كتاب الخراج وكتاب الذكر والدعاء وغيرها من المصنفات في هذا العصر ثم قائلاً هذا التصنيف من الصحاح كصحيح الإمام مسلم : (256 ) فقد جمع أحاديث كل موضوع بمروياته، ومثله السنن الأربعة.

وما تلاًَ المائة الثلاثة من تفريع للتصنيف حتى صنفت في أبواب معينة كالزهد والترغيب والترهيب وغيرها، وهكذا نجد أن التصنيف الموضوعي للأحاديث في المرحلة الثانية من مراحل نشأته بدأ يأخذ الشكل الاستقلالي.

ثم إن التصنيف الموضوعي بعد هذا القرن –القرن الثاني- إلى هذا العصر تنوع فشمل جميع صوره الآتي ذكرها.

وهكذا نجد أن التصنيف الموضوعي موجود منذ زمن الصحابة وما بعده من القرون إلا أنه لم يكن شائعاً بهذا الاصطلاح وإنما كان يدخل ضمن عموم تدوين السنة النبوية، وماجدّ في المتأخرين هو معرفة هذا النوع بهذا الاصطلاح (التصنيف الموضوعي).

وقد تمثل التصنيف الموضوعي في عدة صور في المراحل كلها بما يلي:

1- جمع الأحاديث في باب ضمن كتاب واحد ثم تدوينه، مثل ما سبق من الصحاح وأبرزها صحيح الإمام مسلم : وكذلك السنة بعامة.

2- جمع أحاديث في أبواب متشابهة في مصنف واحد، مثل ما سبق في كتب الترغيب والترهيب، ورياض الصالحين وغيرها.

3- جمع الأحاديث في الموضوع الواحد في جزء واحد كبير أو صغير، مثل ما سبق في جزء رفع اليدين للإمام البخاري : وجزء في الدعاء لعبد الغني المقدسي الحنبلي، وكذا جزء في الأمر بالمعروف له وغيرهما.

4- شرح كتاب من الكتب السابقة التي نهجت المنهج الموضوعي، مثل: كتب الشروح لما سبق.

الحديث الموضوعي في الدراسات المعاصرة:

لقد برز الحديث الموضوعي بصورة أكثر وضوحاً في الدراسات المعاصرة منذ منتصف القرن الرابع عشر الهجري وأخذ أشكالاً وأنماطاً متنوعة مقتبسة من الصور السابقة حتى جاءت الأقسام العلمية المتخصصة مثل أقسام السنة النبوية والحديث وقد وسعوا بعض الصور السابقة ومن أهم صور الدراسة والتأليف في الحديث الموضوعي المعاصر ما يلي:

1- شرح كتاب من كتب الحديث السابقة التي نهجت منهج الجمع الموضوعي ومن الدراسات التي ظهرت حديثاً، مثل: (فتح المنعم بشرح مسلم) د. موسى شاهين لا شين، حيث جمع كل الروايات في الباب الواحد ثم بدأ بشرحها على المعنى الإجمالي ثم المباحث اللغوية ثم المسائل المستنبطة من الحديث.

2- جمع أحاديث في موضوعات كليّة مثل: أحاديث الصبر في قسم السنة بكلية أصول الدين.

3- جمع أحاديث في موضوعات ودراستها من حيث المتن.

4- الشرح والاستقصاؤ للموضوع انطلاقاًَ من حديث واحد مثل: حديث بعث معاذ إلى اليمن رواية ودراية، وحديث رؤية المؤمن للدكتور عبدالله اللحيدان.

5- جمع روايات الحديث الواحد مثل حديث نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها للشيخ عبد المحسن العباد.

6- ما استحدث في الحاسب الآلي من برامج مساعدة جمعت الأحاديث ذات الموضوع الواحد، وإن كان هذا وسيلة لكن جعلته صورة مستقلة لأهميته وإحداثه نقلة نوعية في البحث العلمي.



بحث عن بحث