بسم الله الرحمن الرحيم
 

جائزة نايف بن عبدالعزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية:

(السبق والريادة)

 

الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله         وبعد

فقد قُدَّر الله تعالى أن أشارك في اللجنة العلمية في الأسبوع المنصرم لجائزة نايف بن عبد العزيز العالمية ووافق هذا الاجتماع الأيام الأولى لافتتاح موقع شبكة السنة النبوية وعلومها ويطيب لي – وأهداف الجائزة و الموقع تسير في اتجاه واحد أن أسطر هذه الكلمات .

 

مبادرة مباركة:

- نعم إنها مبادرة مباركة من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز حفظه الله، حين أعلن إنشاء هذا الميدان العلمي الرحب الذي هو ساحة مفتوحة لأهل العلم ليتنافسوا فيها ويبادروا إلى الاجتهاد في كتابة البحوث العلمية حول السنة النبوية والدراسات الإسلامية الأخرى، فقد أصبحت هذه الجائزة من الصروح العلمية المعروفة في العالم الإسلامي رغم أنها حديثة الميلاد، حيث لم يتجاوز عمرها أربعة أعوام، ولكنها قدّمت خلال هذه الفترة الوجيزة أعمالاً ودراسات وخدمات للسنة النبوية فاقت عمرها الزمني بكثير حيث بلغت البحوث المقدمة أكثر من ألف بحث علمي في السنة النبوية والدراسات الإسلامية ، ولا شك أن هذا يدل على مدى الاهتمام والرعاية بهذه الجائزة المباركة، كما يدل على الجدّية التي تتوّجها من كل جانب.

- وتدخل هذه المبادرة المباركة ضمن الأعمال الصالحة التي حث عليها الإسلام ، بل إنها تأتي في مقدمة هذه الأعمال وأعظمها، لأنها تخدم السنة النبوية التي تعدّ مصدراً أساس من المصادر الأساسية في التشريع الإسلامي، وهو شرف كبير ومنحة عظيمة لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم من الله جل وعلى .

- وهذه المبادرة الطيبة دليل على حرص سموه الشديد على سنة المصطفى ونشرها والذود عنها بالبحوث والدراسات العلمية الدقيقة والمتينة، حيث إنها تستقبل مثل هذه البحوث والدراسات من أهل العلم والمختصين من جميع أنحاء العالم ، فهي لا تقتصر على أهل بلد دون آخر، وإنما تشمل المسلمين كافة، لذا فإن ما تقدمه هذه الجائزة من البحوث العلمية المتعلقة بالسنة النبوية تكون ذات طابع علمي مكين.

- كما أن هذه المبادرة الميمونة تدل على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومودته، بصورة عملية وواقعية، لأن فيها دعوة إلى الكتابة عن السنة النبوية ونشرها بالمنهج العلمي الصحيح، ودعوة إلى الحفاظ عليها وحمايتها من الدس والتبديل، كما فيها دعوة إلى اتّباع صاحب هذه السنة عليه الصلاة والسلام في أقواله وأفعاله، يقول عليه الصلاة والسلام: (نضَّر الله امرءًا سَمِع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) متفق عليه.

 

*        *        *

 

أهمية السنة النبوية:

 ولعل من المفيد في هذا المقام الإشارة السريعة إلى أهمية السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي، لإدراك قيمة هذه الجائزة وأثرها وعظم أجرها عند الله تعالى:

1 – إن السنة النبوية هي مصدر أساس للتشريع الإسلامي، وقد جاء الأمر الإلهي باتباعها واتّباع صاحبها عليه الصلاة والسلام بقوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة الحشر 7.

2 – تعدّ السنة النبوية مفسرة لمبهم القرآن الكريم ومجمله، فعلى سبيل المثال لولا السنة النبوية لما عرف المؤمنون أوقات الصلوات وكيفية أدائها وعدد ركعاتها، لأنها جاءت في القرآن مجملة، حتى أوضحت السنة ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري. وكذلك الحال بالنسبة لسائر الأركان والفروض والأحكام.

3 - إن السنة النبوية هي الترجمة العملية للقرآن الكريم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجسد القرآن على الأرض قولاً وعملاً، سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن) رواه مسلم.

4 – إن السنة النبوية جاءت مكملة للقرآن الكريم في كثير من الأحكام والأحداث والحالات التي لم يرد فيها نص قرآني.

5- أن السنة النبوية تضع المنهاج الكامل للحياة كلها ، فتسعد البشرية دنيا وآخره .

6- وكذا فإن السنة يقنع المنهاج لحياة الدعة والعالم يسير في دعوته على منهاج صحيح.

 

*        *        *

 

هي سنة حسنة:

تعدّ هذه الجائزة المباركة من السنن الحسنة التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء) رواه مسلم.

وهذه السنة الحسنة تعطي مساحات واسعة من الحرية لأولي الألباب من أصحاب العلم والفكر ليبدعوا ويقدموا أفضل الدراسات والبحوث حول السنة النبوية والميادين العلمية الأخرى، فمثل هذه الجوائز وبهذا الحجم من العناية والريادة تنافس أحيانًا بعض الميادين العلمية الأخرى كالجامعات والمعاهد، لا سيما في التخصص الذي أنشئت له، كحال هذه الجائزة المتخصصة في السنة النبوية والدراسات الإسلامية، لأن جلّ نشاطها وحركتها تتركز في هذه الجوانب فحسب.

وهنا لا بد من ضرورة الاقتداء والاحتذاء بمثل هذه الأفكار والمشروعات العلمية العظيمة التي تثري الساحة العلمية وتدعم المهارات العقلية والملكات الإبداعية عند أبناء الأمة، وهي فرصة في هذه الحياة لمن يملك القدرة من المال والعلم والقدرات أن يبادر إلى إنشاء مثل هذه المنارات في الميادين الأخرى، وعلى المستويات المختلفة، إذ ليس من الضروري أن تنحصر مثل هذه المشروعات في المستويات العلمية والأكاديمية العليا، ولكن ينبغي إيجادها المراحل التعليمية كلها، حتى يتولد الإبداع عند المسلمين مبكرًا وتتمكن الجدية والإخلاص من نفوسهم وهم في مراحل الطفولة والشباب، وبذلك تكون الأمة قد صنعت نقلة حضارية مميزة.

وكما قال شوقي:

فعلِّم ما استطعتَ، لعلّ جيلاً
ولا تُرهقْ شاب  الحيِّ  يأسًا

 

سيأتي يُحدثُ العَجَبَ العُجابا
فإن  اليأس  يخترمُ  الشباب

 

*        *        *

 

أثر هذه الجائزة:

وأحسب أن لهذه الجائزة المباركة آثارًا عظيمة في حياة الأمة في حاضرها ومستقبلها منها:

1 – أنها سبب لحفظ السنة النبوية من الضياع والتبديل والتحريف، وذلك من خلال تهيئة الأسباب الكفيلة بذلك، من الحض والحثّ على كتابة البحوث العلمية التي تخص السنة النبوية وتخدمها في جميع الميادين، ومنح المكافآت السخية لأصحابها سواء كانت مادية أو معنوية.

2 – أنها وسيلة مباركة لإحياء روح التنافس الخيّر بين أهل العلم والمختصين في السنة النبوية، فقد مدح الله المؤمنين الذين يسارعون في الخيرات بقوله: (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) سورة المؤمنون61.

3 – أنها تبعث في الأمة روح الإبداع والاجتهاد، حين تفتح أبوابها أمام الباحثين والمختصين في السنة النبوية، ليقدموا أفضل البحوث والدراسات والمقترحات حول السنة النبوية وخدمتها.

4 – هي أسلوب دعوي فاعل وحكيم تساند الميادين الدعوية الأخرى، وتعمل بمقتضى قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) سورة النحل 125.

5 – هذه الجائزة تسهم في تقريب السنة النبوية المباركة من الناس جميعًا بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم العلمية.

6 – هي حصن منيع تتحطم على أسواره جميع الشبهات والأباطيل التي تثيرها المؤسسات الغربية وأعوانها حول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والسنة النبوية المباركة.

 

*        *        *

 

شكر لا بد منه:

وأخيرًا.. لابد من حمد الله تعالى وشكره على نعمائه وآلائه التي لا تعد ولا تحصى، على نعمة الإيمان ونعمة خدمة هذا الدين، وأنه تعالى قد هيأ الأسباب الكثيرة والكفيلة للأمة لحماية هذا الدين ومصادره من التحريف والتبديل وهو القائل في محكم كتابه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة الحجر 9.

ثم الشكر له تعالى على ما متّع به هذه البلاد المباركة عن غيرها من البقاع من مواطن للخير والبرّ، حيث تعج جميع مناطقها بدور العلم المختلفة، سواء العلوم الشرعية كالجامعات والمعاهد والمدارس والمراكز الخاصة لحفظ كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو في العلوم التجريبية والتطبيقية، وكذلك التشجيع الدائم والدعم المتواصل من أولياء الأمور لهذه الدور والمراكز ومتابعتهم لها وجعلها من أولويات أعمالهم.

وهذا يتطلب من جميع أبناء الأمة المساهمة مع أولياء الأمور في دفع المسيرة العلمية في هذه البلاد نحو الأمام وحمايتها بكل الوسائل والإمكانات، لأنها تخدم قيم الأمة وثوابتها كما تخدم وجودها وبقاءها على أسس علمية وقواعد حضارية.

كما يتطلب من سائر القادرين على البحث والكتابة من المختصين أن يشمروا عن ساعد الجد ليكتبوا ويسهموا في هذا المضمار فهو خير يجدون أثره في الدنيا والآخرة ، وفرصة لم تمنح لغيرهم ، فالله الله الأتفوت الفرصة

 

*        *        *

 

إننا نحن – المختصين بالسنة النبوية بخاصة والباحثين بعلوم الشريعة بعامة – لنشعر بالفخر والاعتزاز بوجود هذه الجائزة العالمية الرحبة في ميادينها المختلفة، فجزى الله راعيها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود خير الجزاء وجعل هذه الجائزة رصيدًا مضاعفًا له في الدنيا والآخرة وبركة له في الحياة وذخرًا له بعد الممات وحسنة لا ينقطع أجرها إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

                                                                                     



بحث عن بحث