ثانيا: الأحاديث السببية:

هي الأحاديث التي ورد سبب لورودها إما قصة، أو حادثة، أو سؤال ومثاله:

 

ما أخرجه البخاري ومسلم عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

«إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي لَكُمْ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْكُمْ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يَأْتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1).

 

وللحديث طريق أخرى فيه بيان سبب ورود الحديث أخرجها أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بيَّنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

« إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ» أو قال: «لِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍِ، فَإِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فبكى الرجلان،

وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«أَمَا إِذْ قُلْتُمَا فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا، ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ»(2).

 ومثاله أيضًا ما أخرجه مالك والشافعي وأحمد وابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»(3).

قال السيوطي في «اللمع»(4):

(سببه: أخرج أحمد والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فجاء صياد، فقال: يا رسول الله، إننا ننطلق في البحر نريد الصيد، فيحمل أحدنا معه الإداوة وهو يرجو أن يأخذ الصيد قريبًا، فربما وجده كذلك، وربما لم يجد الصيد حتى يبلغ من البحر مكانًا لم يظن أنه يبلغه، فلعله يحتلم أو يتوضأ، فإن اغتسل أو توضأ بهذا الماء، فلعل أحدنا يهلكه العطش. فهل ترى في ماء البحر أن نغتسل به أو نتوضأ به إذا خفنا ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«اغْتَسِلُوا مِنْهُ وَتَوَضَّئُوا؛ فَإِنَّهُ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»(5).

والحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ويل للأعقاب من النار»(6).

قال السيوطي في «اللمع»:

(سببه: ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها ، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته: «ويل للأعقاب من النار»(7)، مرتين أو ثلاثا.)(8)

 

وأخرج أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتوضئون، فلم يمس أعقابهم الماء فقال: «ويل للأعقاب من النار»(9).

 

ومثاله أيضًا ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعا: «أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ؛ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ»(10).

 

ذكره ابن حمزة الحسيني الحنفي وقال:

 (سببه: أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كان يسرد أي يداوم الصيام والقيام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»(11)، ثم ذكره)(12).

 

 

 

 

 

 


 

(1)     متفق عليه:  أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب من أقام البينة بعد اليمين (2680)، كتاب الحيل، باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت فقضي بقيمة الجارية الميتة ثم وجدها صاحبها فهي له ويرد القيمة ولا تكون القيمة ثمنا (6967)، كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم (7169)، مسلم: كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة (1713).
(2)     أخرجه أحمد في مسنده ( 6 / 320 )، أبو داود: كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ (3584، 3585) .
(3)     أخرجه مالك في الموطأ (41 )، الشافعي في مسنده (1)، أحمد في مسنده (2/237)، ابن أبي شيبة في مصنفه (1/122)، وعند مالك والشافعي ذكر السبب.
(4)     انظر: اللمع في أسباب ورود الحديث (ص- 31).
(5)     أخرجه أحمد في مسنده (2/ 392)، الحاكم (1/238)، البيهقي (1/3).
(6)     متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب غسل الأعقاب (165)، مسلم: كتاب الطهارة، باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما (242).
(7)     متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من رفع صوته بالعلم (60)، باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم (96)، كتاب الوضوء باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين (163)،  مسلم: كتاب الطهارة، باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما (241).
(8)     انظر اللمع في أسباب ورود الحديث (ص- 34).
(9)     مسند أحمد (3/316).
(10)     متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجمعة، باب من نام عند السحر (1131)، كتاب أحاديث الأنبياء، باب أحب الصلاة إلى اله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه . ويصوم يوما ويفطر يوما (3420)، مسلم: كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا أو لم يفطر العيدين والتشريق وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم (1159).
(11)     متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجمعة، باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه (1152)، كتاب الصيام، باب حق الضيف في الصوم (1974)، حق الجسم في الصوم (1975)، حق الأهل في الصوم رواه أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم  (1977)، كتاب النكاح، باب لزوجك عليك حق قاله أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم  (5199)، كتاب الأدب، باب حق الضيف (6134)، مسلم: كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا أو لم يفطر العيدين والتشريق وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم (1159).
(12)     البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف (1/24).

 



بحث عن بحث