المفقــــــــود(1) (2-2)

 

 

القسم الثاني من الحالة الثانية : أن يكون ظاهر غيبته السلامة كسفر التجارة في غير مهلكة وطلب العلم والسياحة ، أو خرج إلى الصلاة فلم يعد ، وللعلماء في هذه الحالة ثلاثة أقوال هي :

القول الأول: لا تزول الزوجية ما لم يثبت موته ، روي عن علي أنه قال: إذا فقدت المرأة زوجها لم تزوج حتى يقدم أو يموت(2) ، وإليه ذهب ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الثوري و أبو حنيفة و الشافعي في الجديد ورواية عن أحمد .

قالوا: لأن هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قبل الأربع سنين أو كما قبل التسعين .

القول الثاني: مالك والشافعي في القديم ، وقول عمر وابنه وعثمان وابن عباس ومسعود رضي الله عنهما(3) وجمع من التابعين كالنخعي وعطاء والزهري ومكحول والشعبي : تتربص أربع سنين منذ أن ترفع أمرها للحاكم ، وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحل للأزواج فإذا تزوجت فجاء الزوج الأول خُيّر بين زوجته وبين الصداق .

وقالوا: إذا جاز الفسخ لتعذر الوطء بالعنة وتعذر النفقة بالإعسار ؛ فلأن يجوز ههنا لتعذر الجميع أولى . واحتجوا بحديث عمر في المفقود(4) مع موافقة الصحابة له وتركهم إنكاره .

القول الثالث: الحنفية ورواية عن أحمد ، قالوا بضرب مدة يغلب على الظن وفاته فيها ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً ثم تحل للأزواج ، واختلفوا في تقدير هذه المدة ، فمنهم مَن قال ، إذا مضت عليه تسعون سنة منذ ولادته ، ومنهم من قال سبعون ، ومنهم من قال إذا مات أقرانه من أهل بلده ، ومنهم من قال بحسب اجتهاد القاضي .

قالوا: لأن النكاح عرف ثبوته ، والغيبة لا توجب الفرقة ، والموت في حيز الاحتمال فلا يزال النكاح بالشك ، وحكم بموته بعد هذه المدة ؛ لأنه الغاية في زماننا والحياة بعدها نادر فلا عبرة للنادر ، فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلاك .

الراجح والله أعلم :

القول الثاني رفعاً للضرر عن المرأة ، كما أن القصة التي وقعت في عهد عمر هي صورة مسألتنا إذ الرجل انقطع انقطاعاً لا يُعلم به سلامة ولا هلاك .

والتقدير بمدة لا ينبغي أن يصار إليه إلا بالتوقيف لأن تقديرها يفضي إلى اختلاف العدة في حق المرأة باختلاف عمر الزوج ولا نظير لهذا .

الخلاصــــة:

إذا  فُقد الرجل وانقطع خبره ولا يعلم له موضع سواء كانت غيبته ظاهرها الهلاك أو السلامة فالصحيح والله تعالى أعلم أن زوجته تتربص أربع سنين منذ أن ترفع أمرها للحاكم ، وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحل للأزواج فإذا تزوجت فجاء الزوج الأول خُيّر بين زوجته وبين الصداق . لقصة الرجل الذي استهوته الشياطين في عهد عمر رضي الله عنه فغاب فقضى عمر رضي الله عنه لزوجته بهذا ووافقه الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك فكان إجماعاً. 


(1) البحر الرائق 5/176 ،  العناية شرح الهداية 8/230 ، الاستذكار 6/130 ،  المدونة 2/30 ،  إعانة الطالبين 4/83 ، الأم 5/240 ، المجموع شرح المهذب 18/268 ، روضة الطالبين 8/400 ، الإقناع في فقه الإمام أحمد 4/113 ، المغني 9/131 ، حاشية الروض المربع 7/66.إعلام الموقعين 2/55.

(2) قال ابن حجر في فتح الباري 9/431 بعد أن ذكر قول علي t : أخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح وقال عبد الرزاق بلغني عن بن مسعود انه وافق عليا في امرأة المفقود أنها تنتظره أبدا وأخرج أبو عبيد أيضا بسند حسن عن علي لو تزوجت فهي امرأة الأول دخل بها الثاني أو لم يدخل .

(3) قال ابن حجر في فتح الباري 9/431 : وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عمر وبن عباس قالا تنتظر امرأة المفقود أربع سنين وثبت أيضا عن عثمان وبن مسعود وقال : ولم يفرق أكثرهم بين أحوال الفقد .

(4) قال ابن حجر في فتح الباري 9/431 : أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عمر .

 



بحث عن بحث