الخصيصة الرابعة/ تربية عمدتها التوازن، وقوامها الوسطية (9-11)
" والعمل بما ورد في الكتاب والسنة والتشاغل به فقد وقع الكلام في أيهما أولى ، والإنصاف أن يقال :
كلما زاد على ما هو في حق المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين :
1 ـ من وجد في نفسه قوة على الفهم والتحرير فتشاغله في ذلك أولى منه إعراضه عنه ، وتشاغله للعبادة لما فيه من النفع المتعدي .
ومن وجد في نفسه قصورا ، فإقباله على العبادة أولى لعسر اجتماع الأمرين .
فإن الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام بإعراضه .
والثاني لو أقبل علي العلم وترك العبادة فاته الأمران لعدم حصول الأول له، وإعراضه به على الثاني . والله الموفق " (1) .
ونخلص مما سبق إلى أن الناس إلى أن الناس ينقسمون من حيث القوة العلمية والعملية إلى ثلاثة أقسام : طرفان ووسط .
الطرف الأول : من تكون القوة العلمية عنده أقوى من القوة العملية و أغلب منها .
الطرف الثاني : من تكون له القوة العملية أغلب من القوة العلمية وأقوى منها .
القسم الثالث ( وهو الوسط ) : من كانت له القوتان العلمية والعملية متساويتين في القوة فلا يغلب أحدهما الآخر وإنما كل ما علم عمل وهذا هو طريق الفلاح والسعادة .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في تقسيم الناس من حيث القوة العلمية والعملية: " فمن الناس من يكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها وأعلامها وعوارضها ومعاثرها ، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه ، ويكون ضعيفا في القوة العملية يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها ، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها ، فهو فقيه ما لم يحضر العمل ، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف وفارقهم في العلم ، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم ، والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله" .
(1) فتح الباري 13 / 268 .